كيف فعلتها أماندا هوكينج، وحققت آلاف الدولارات من نشر كتبها الإلكترونية؟

(1)
من خلال تدوينة جميلة عن فتاة أمريكية تُدعي أماندا هوكينج، عرفتُ لأول مرة بعضاً من تفاصيل حكايتها، وكيف صارت واحدة من مليونيرات العالم، من خلال عائدات كتبها، وعلى الإنترنت فقط، وخلال فترة قصيرة لا تتجاوز ثمانية عشر شهراً!

تعترف أماندا بأنها فتاة كئيبة، وحزينة، وربما يعود هذا إلى حياتها الأسرية المعقدة؛ حيث تطلق والداها، وتلك النوعية تحديداً نجد أنها ذات حساسية عالية، وتطمح لتحقيق أحلامها من أجل أن تتجاوز أفكارها الخاصة والسوداوية.

أثرت والدتها فيها بشكل جيد؛ فقد كانت تعطيها صندوقاً صغيراً يحتوي على خمسة كتب تقرأها أثناء الصيف، وهكذا نجدها أثناء فترة صباها المبكرة كانت تقرأ شكسبير، ستيفن كنج، مايكل كرايتون، جين أوستن، وغيرهم.

كانت دودة كتب حقيقية، تغذي خيالها النهم، والذي لا يشبع بما أبدعته قرائح الموتى والأحياء!

وفي سن الثانية عشر كانت تصف نفسها بأنها كاتبة، وهكذا فمن حسن الفتاة أنها عرفت طريقها مبكرة دون أن تضيع وقتها في مفترق الطرق.

بعد أن أنهت دراستها الثانوية كان لديها مخزون جيد من القصص القصيرة( خمسون قصة)، وبدأت كتابة الرواية وهي في السابعة عشر من عمرها، وعند مقدم عام 2010 كانت أماندا تمتلك في جعبتها سبعة عشر رواية تختص بأدب البالغين؛ وهي الموضوعات التي تختص بشريحة معينة من الشباب، وقد اتخذت أماندا من مصاصي الدماء، والمذؤوبين، والموضوعات الغرائبية التي تعتمد على التشويق والإثارة مادة خصبة لها، وهو فرع هام في الغرب يقرأونه بنهم، وتضع أستديوهات السينما والتليفزيون نظرها عليه بتركيز لتري ما هي الروايات التي تحقق رواجاً عالياً، فتشتري حقوق تحويلها للشاشة من الكاتب/ الكاتبة، وكمثال لتوضيح الأمر فإن الكاتبة الأمريكية سارة شيبرد، تم تحويل سلسلتين روائيتين من أعمالها إلى مسلسلين تليفزيونين حقق أحدهما نجاحاً ساحقاً، وما زال يُعرض حتى الآن.

كانت أماندا تعمل في مراكز لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، وتستغل أوقات فراغها لكتابة المزيد من الروايات.

إنها الآن منفصلة عن أهلها، وتعيش بشقتها ويراودها حلم بأن تري كتابها مطبوعاً؛ لذا فقد كان من الطبيعي أن تدور على دور النشر، والوكلاء من أجل ان تجد لها مكاناً صغيراً على خارطة النشر الورقي.

الحقيقة أن الفتاة عانت كثيراً؛ فقد تلقت رسائل الرفض، أو التجاهل التام من هؤلاء، مما احبطها أكثر، وجعلها تقرر عدة مرات أن تكفّ عن الكتابة، وعن تحقيق هذا الحلم المتعب، لكن مع أول فكرة جديدة ترد إلى ذهنها تنفض عنها احباطها هذا، وتشرع في الكتابة من جديد.

في أبريل من ذات العام- 2010- حيث بلغتها حالتها المادية والنفسية مدي كبيراً، عرفت بأن معرضاً ضخماً سيقام لفن  Muppets في شيكاغو، وهي من أكبر المعجبين بذلك الفن، لكن كيف تحضره؟

إنها مفلسة، والمسافة بين شيكاغو  وحيث تقطن بمينيسوتا حوالي 8 ساعات من القيادة!

إنها تحتاج إلى 300 دولار فقط من أجل تكاليف رحلتها إلى هناك.

أسقط في يدها، وشعرت بالحيرة… ماذا تفعل؟

كان المعرض سيقام في آخر العام، وإذن فعليها أن تجهز هذا المبلغ في تلك الفترة.

وكان القرار الذي اتخذته أماندا هوكينج- وطبعاً هي لم تكن تعرف هذا- قد غيّر حياتها بالكامل فيما بعد.

(2)

لقد قررت أماندا أن تنشر كتبها على منصات البيع الإلكترونية( مثل: أمازون كندل، سماش ووردز، بارنز ونوبل، وغيرها)، وعندما أخبرت صديقها إريك بقرارها هذا قال” فليكن.. سأصدق هذا عندما يحدث!”.

لكنها تحتاج إلى معلومات.

وأثناء إبحارها في الشبكة العنكبوتية عثرت أماندا على مدونة لطيفة لشاب يُدعي جيه.إيه.كونراث، تتحدث عن النشر الإلكتروني، وشرح ذلك بالتفصيل. الجميل في المدونات الغربية أن من يخوض تجربة معينة يقوم بتسجيلها على مدونته أو موقعه من أجل الفائدة العامة.

وخلال ساعتين، وبصعوبات بالغة استطاعت تحويل كتابها لصيغ القراءة الإلكترونية المناسبة، وتعترف بأنها لم تكن تعقد أملاً على الأمر، وظنت أنه لن يأتي بمنفعة حقيقية.

بعد أيام باعت تسع نسخ من كتابها My Blood Approves في يوم واحد، وأتبعته بكتابيها التاليين من نفس السلسلة  Fate،  Flutter، وكانت المبيعات 624 نسخة.

مع مقدم شهر يونيو من نفس العام قفزت مبيعات كتبها فوق 4000 نسخة، ومع قدوم شهر يوليو دفعت بكتابها المفضل Switched، والذي لم يأخذ أكثر من أسبوع كتابة!

كانت أرباحها الصافية في شهر يوليو فقط حوالي 6000 دولار.

وفي شهر أغسطس استقالت من عملها.

في شهر يناير من عام 2011 باعت أماندا أكثر من 100000 ألف نسخة في الشهر. جدير بالذكر أن أماندا قررت أن تضع سعراً ضئيلاً لثمن النسخة.

99 سنت، ثم سرعان ما رفعته إلى $2.99(موضوع السعر هذا سنتناوله في موضوع منفصل بذاته إن شاء الله)، وتوالت مبيعات كتب الفتاة التي انضمت إلى نادي مليونيرات كندل، ودخلت قائمة أكثر 25 كاتباً/ كاتبة مبيعاً على  أمازون كندل.

وكان من الطبيعي أن تنظر السينما إليها باهتمام فائق، لذا  فقد أمضت عقداً لتحويل واحدة من رواياتها لفيلم سينمائي.

صارت أماندا هوكينج ظاهرة أدبية مذهلة؛ فقد غدت مليونيرة في فترة وجيزة جداً، وبسبب مبيعاتها على منصات البيع الإلكترونية، ونجاحها المدهش فقد لفتت إليها أنظار دور النشر الورقية، وكانت النتيجة أن تعاقدت مع دار النشر الورقية  St Martin’s Press في الولايات المتحدة،  و Pan Macmillan في المملكة المتحدة.

كان نجاحها الساحق مثار حسد البعض، وإعجاب البعض الآخر، وسرت نغمة بأن نجاحها كان سريعاً، ناهيكم عن بعض الانتقادات لأعمالها؛ مثل أنها تحتاج لتحرير ومراجعة، وأن هناك أخطاء لغوية… الخ.

وفي تدوينة تحمل استياءها شرحت أماندا  لقرائها بأن نجاحها لم يكن سريعاً؛ فقد تعبت وسهرت من أجل أن تروج وتسّوق لكتبها، ولتتواصل مع أصدقاءها، وتطلب منهم رأيهم وملاحظاتهم، وكانت تقوم بعمل كل شيء، من تحويل الصيغ، وانشاء الأغلفة… الخ.

ثم لا ننسي بأنها تكتب منذ سن صغيرة جداً، أي أنها ليست حديثة العهد بمهنة الكتابة.

إنها محاربة عنيدة، وعندما أُغلقت الأبواب في وجهها كان القدر يعدّ لها مفاجأة سارة.

إنها تستحق هذا.. أعتقد أنكم ترون نفس رأيي.

(3)

لا توجد أهمية لحياة الكاتب الشخصية، فهي تقع في نطاق خصوصياته، ولا يجوز كسرها بأي حال من الأحوال، لكن بعضّ الكتّاب يحطمون هذا الحاجز للقرّاء، ويتواصلون معهم، ومن هؤلاء أماندا التي صارت قبل أن تكمل الثلاثين( من مواليد يوليو 1984) كاتبة مشهورة، ومليونيرة، وتجربة ثرية تغترف منها المقالات التي تتحدث عن قصص النجاح بعد تعب ومشقة، لكننا نجد أنها تتحدث ببساطة عن حياتها، وتجيب عن الأسئلة بخصوص أفلامها ومسلسلاتها المفضلة، وكيف تعيش.. الخ.

هناك سؤال بعينه يهمنا أن نعرف إجابته من أماندا.. صحيح أننا نتوقع الإجابة إلى حد كبير، لكن تكرارها من العديد من الكتّاب، فهذا يؤكد صحتها، ويؤكد أيضاً أن الحظّ ربما يكون في طريق أي واحد منا، لكن هل نحن مستعدون لمقابلته، أم سنتركه يمرّ بجوارنا مرور الكرام؟!

فقد سألهم أحدهم عن نصيحتها للكتّاب الطموحين، فقالت أماندا( وهنا أنقل معني كلامها) بأنها تنصح بأن يكتب الكاتب كثيراً، ويقرأ أكثر مما يكتب. ويتعلم كيف يستقبل النقد الموجّه إليه. وكذلك عليه أن يحرّر عمله كثيراً( والتحرير هنا معناه التنقيح والتعديل وإعادة كتابة أجزاء، وحذف أخرى. الخ.)، وأن يجد محرراً جيداً. كذلك تنصح بأن يقرأ كتاب ” عن الكتابة” لستيفن كنج( كتاب مهم لرائد أدب الرعب المعاصر، يجمع فيه ما بين سيرته الذاتية، وأسرار حرفة الكتابة)، وكذلك مدونة جو كونراث.

أيضاَ تنصح أماندا الكاتب أن يكون محترفاً ومهذباً دائماً، حتى لو قال البعض أنهم يكرهون كتابه. تؤكد أماندا أن الناس سيقولون هذا بالفعل! يبدو أن هذا نابع من تجربتها الشخصية مع الوكلاء وأصحاب دور النشر.

رأينا كيف تعبت أماندا كثيراً. حتى لو لم تأتها فرصة النجاح( لاحظ أنها فعلت أقصى ما بجهدها دون أن تتوقع نجاحاً كبيراً.. كل ما كانت تحتاجه فقط 300 دولار!)، فقد اكتسبت صلابة، جعلتها تواصل الطريق.

وهذه رسالة لنا بألا نتوقف عن تحقيق أحلامنا.. لأننا لو توقفنا، فهذا معناه أننا نحكم على أنفسنا بالموت!

على الهامش:

لو أعجبك المحتوى، وأردت المتابعة؛ فلا تنس الاشتراك فى المدونة.

9 ردود على “كيف فعلتها أماندا هوكينج، وحققت آلاف الدولارات من نشر كتبها الإلكترونية؟”

  1. صورة أفاتار خالد المهدوي
    خالد المهدوي

    فعلا قصص محفزة للنجاح
    شكرا جزيلا لك

    Liked by 1 person

    1. صورة أفاتار عارف فكري
      عارف فكري

      شكرا يا أخ خالد. أسعدني مرورك يا طيب.

      إعجاب

  2. صورة أفاتار T@rek
    T@rek

    لشدة إعجابي بالقصة، ترجمت التدوينة التي تحمل استياءها
    https://rqi.im/E0ZO

    Liked by 1 person

    1. صورة أفاتار عارف فكري
      عارف فكري

      عظيم جدا. سلمتْ يداك. اسمح لي أن أضع رابط ترجمتك لتدوينة أماندا هوكينج فى تدوينتى عنها هنا.

      Liked by 1 person

      1. صورة أفاتار T@rek
        T@rek

        هذا شرفٌ كبيرٌ ليّ 🌹
        بارك الله فيك، ونفعنا بما لديك

        Liked by 1 person

      2. صورة أفاتار عارف فكري
        عارف فكري

        آمين، وإياكم. تسلم.

        Liked by 1 person

  3. لأبعد مدى

    […] ♦ نقلًا عن مدونة (عارف فكري). […]

    إعجاب

  4. كيف غيَّر المؤلف جون لوك حياته على مشارف الستين؟ – لأبعد مدى

    […] لا بأس به، تحدثنا من قبل على واحدة في ذلك النادي، وهي أماندا هوكينج، وحان الوقت لنتحدث عن جون لوك، الذي يشبه -إلى حدِ […]

    إعجاب

  5. كيف بنى المؤلف جون لوك مسيرته الأدبية على مشارف الستين؟ – لأبعد مدى

    […] لا بأس به، تحدثنا من قبل على واحدة في ذلك النادي، وهي أماندا هوكينج، وحان الوقت لنتحدث عن جون لوك، الذي يشبه -إلى حدِ […]

    إعجاب

أضف تعليق